كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهم بعد مسلمون! أليسوا يحملون أسماء المسلمين؟ وهم بهذه الأسماء المسلمة يعلنون الإسلام وجه النهار. وبهذه المحاولات المجرمة يكفرون آخره.. ويؤدون بهذه وتلك دور أهل الكتاب القديم.. لا يتغير إلا الشكل والإطار في ذلك الدور القديم!
وكان أهل الكتاب يقول بعضهم لبعض: تظاهروا بالإسلام أول النهار واكفروا آخره لعل المسلمين يرجعون عن دينهم. وليكن هذا سرًا بينكم لا تبدونه ولا تأتمنون عليه إلا أهل دينكم: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم}.
وفعل الإيمان حين يعدّى باللام يعني الاطمئنان والثقة. أي ولا تطمئنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تفضوا بأسراركم إلا لهؤلاء دون المسلمين!
وعملاء الصهيونية والصليبية اليوم كذلك.. إنهم متفاهمون فيما بينهم على أمر.. هو الإجهاز على هذه العقيدة في الفرصة السانحة التي قد لا تعود.. وقد لا يكون هذا التفاهم في معاهدة أو مؤامرة. ولكنه تفاهم العميل مع العميل على المهمة المطلوبة للأصيل! ويأمن بعضهم لبعض فيفضي بعضهم إلى بعض.. ثم يتظاهرون- بعضهم على الأقل بغير- ما يريدون وما يبيتون.. والجو من حولهم مهيأ، والأجهزة من حولهم معبأة.. والذين يدركون حقيقة هذا الدين في الأرض كلها مغيبون أو مشردون!
{ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم}.
وهنا يوجه الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن أن الهدى هو وحده هدى الله؛ وأن من لا يفيء إليه لن يجد الهدى أبدًا في أي منهج ولا في أي طريق: {قل إن الهدى هدى الله}.
ويجيء هذا التقرير ردًا على مقالتهم: {آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} تحذيرًا للمسلمين من تحقيق الهدف اللئيم. فهو الخروج من هدى الله كله. فلا هدى إلا هداه وحده. وإنما هو الضلال والكفر ما يريده بهم هؤلاء الماكرون.
يجيء هذا التقرير قبل أن ينتهي السياق من عرض مقولة أهل الكتاب كلها.. ثم يمضي يعرض بقية تآمرهم بعد هذا التقرير المعترض: {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم}.
بهذا يعللون قولهم: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم}.. فهو الحقد والحسد والنقمة أن يؤتي الله أحدًا من النبوة والكتاب ما آتى أهل الكتاب. وهو الخوف أن يكون في الاطمئنان للمسلمين وإطلاعهم على الحقيقة التي يعرفها أهل الكتاب، ثم ينكرونها، عن هذا الدين، ما يتخذه المسلمون حجة عليهم عند الله!- كأن الله سبحانه لا يأخذهم بحجة إلا حجة القول المسموع!- وهي مشاعر لا تصدر عن تصور إيماني بالله وصفاته؛ ولا عن معرفة بحقيقة الرسالات والنبوات، وتكاليف الإيمان والاعتقاد!
ويوجه الله سبحانه رسوله الكريم ليعلمهم- ويعلم الجماعة المسلمة- حقيقة فضل الله حين يشاء أن يمن على أمة برسالة وبرسول: {قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.
وقد شاءت إرادته أن يجعل الرسالة والكتاب في غير أهل الكتاب؛ بعد ما خاسوا بعهدهم مع الله؛ ونقضوا ذمة أبيهم إبراهيم؛ وعرفوا الحق ولبسوه بالباطل؛ وتخلوا عن الأمانة التي ناطها الله بهم؛ وتركوا أحكام كتابهم وشريعة دينهم؛ وكرهوا أن يتحاكموا إلى كتاب الله بينهم. وخلت قيادة البشرية من منهج الله وكتابه ورجاله المؤمنين.. عندئذ سلم القيادة، وناط الأمانة، بالأمة المسلمة. فضلا منه ومنة {والله واسع عليم}.
{يختص برحمته من يشاء} عن سعة في فضله وعلم بمواضع رحمته..
{والله ذو الفضل العظيم}.. وليس أعظم من فضله على أمة بالهدى ممثلًا في كتاب. وبالخير ممثلًا في رسالة.. وبالرحمة ممثلة في رسول.
فإذا سمع المسلمون هذا احسوا مدى النعمة وقيمة المنة في اختيار الله لهم، واختصاصه إياهم بهذا الفضل. واستمسكوا به في إعزاز وحرص، وأخذوه بقوة وعزم، ودافعوا عنه في صرامة ويقين، وتيقظوا لكيد الكائدين وحقد الحاقدين. وهذا ما كان يربيهم به القرآن الكريم والذكر الحكيم. وهو ذاته مادة التربية والتوجيه للأمة المسلمة في كل جيل.
ثم يمضي السياق يصف حال أهل الكتاب؛ ويبين ما في هذه الحال من نقائص؛ ويقرر القيم الصحيحة التي يقوم عليها الإسلام دين المسلمين. ويبدأ فيعرض نموذجين من نماذج أهل الكتاب في التعامل والتعاقد: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائمًا ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}.
إنها خطة الإنصاف والحق وعدم البخس والغبن يجري عليها القرآن الكريم في وصف حال أهل الكتاب الذين كانوا يواجهون الجماعة المسلمة حينذاك؛ والتي لعلها حال أهل الكتاب في جميع الأجيال. ذلك أن خصومة أهل الكتاب للإسلام والمسلمين، ودسهم وكيدهم وتدبيرهم الماكر اللئيم، وإرادتهم الشر بالجماعة المسلمة وبهذا الدين.. كل ذلك لا يجعل القرآن يبخس المحسنين منهم حقهم، حتى في معرض الجدل والمواجهة. فهو هنا يقرر أن من أهل الكتاب ناسًا أمناء، لا يأكلون الحقوق مهما كانت ضخمة مغرية: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك}.
ولكن منهم كذلك الخونة الطامعين المماطلين، الذين لا يردون حقًا- وإن صغر- إلا بالمطالبة والإلحاح والملازمة. ثم هم يفلسفون هذا الخلق الذميم، بالكذب على الله عن علم وقصد: {ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائمًا ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}.
وهذه بالذات صفة يهود. فهم الذين يقولون هذا القول؛ ويجعلون للأخلاق مقاييس متعددة. فالأمانة بين اليهودي واليهودي. أما غير اليهود ويسمونهم الأميين وكانوا يعنون بهم العرب (وهم في الحقيقة يعنون كل من سوى اليهود) فلا حرج على اليهودي في أكل أموالهم، وغشهم وخداعهم، والتدليس عليهم، واستغلالهم بلا تحرج من وسيلة خسيسة ولا فعل ذميم!
ومن العجب أن يزعموا أن إلههم ودينهم يأمرهم بهذا. وهم يعلمون أن هذا كذب. وأن الله لا يأمر بالفحشاء، ولا يبيح لجماعة من الناس أن يأكلوا أموال جماعة من الناس سحتًا وبهتانًا، وألا يرعوا معهم عهدًا ولا ذمة، وأن ينالوا منهم بلا تحرج ولا تذمم. ولكنها يهود يهود! التي اتخذت من عداوة البشرية والحقد عليها ديدنًا ودينًا: {ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}.
هنا نجد القرآن الكريم يقرر قاعدته الخلقية الواحدة، وميزانه الخلقي الواحد. ويربط نظرته هذه بالله وتقواه:
{بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}.
فهي قاعدة واحدة من راعاها وفاء بعهد الله وشعورًا بتقواه أحبه الله وأكرمه. ومن اشترى بعهد الله وبأيمانه ثمنًا قليلًا- من عرض هذه الحياة الدنيا أو بالدنيا كلها وهي متاع قليل- فلا نصيب له في الآخرة، ولا رعاية له عند الله ولا قبول، ولا زكاة له ولا طهارة. وإنما هو العذاب الأليم.
ونلمح هنا أن الوفاء بالعهد مرتبط بالتقوى. ومن ثم لا يتغير في التعامل مع عدو أو صديق. فليس هو مسألة مصلحة. إنما هو مسألة تعامل مع الله أبدًا دونما نظر إلى من يتعامل معهم.
وهذه هي نظرية الإسلام الأخلاقية بصفة عامة. في الوفاء بالعهد وفي سواه من الأخلاق: التعامل هو أولًا تعامل مع الله، يلحظ فيه جناب الله، ويتجنب به سخطه ويطلب به رضاه. فالباعث الأخلاقي ليس هو المصلحة؛ وليس هو عرف الجماعة، ولا مقتضيات ظروفها القائمة. فإن الجماعة قد تضل وتنحرف، وتروج فيها المقاييس الباطلة. فلابد من مقياس ثابت ترجع إليه الجماعة كما يرجع إليه الفرد على السواء. ولابد أن يكون لهذا المقياس فوق ثباته قوة يستمدها من جهة أعلى.. أعلى من اصطلاح الناس ومن مقتضيات حياتهم المتغيرة.. ومن ثم ينبغي أن تستمد القيم والمقاييس من الله؛ بمعرفة ما يرضيه من الأخلاق والتطلع إلى رضاه والشعور بتقواه.. بهذا يضمن الإسلام تطلع البشرية الدائم إلى أفق أعلى من الأرض؛ واستمدادها القيم والموازين من ذلك الأفق الثابت السامق الوضيء.
ومن ثم يجعل الذين يخيسون بالعهد ويغدرون بالأمانة..
{يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنًا قليلًا}.. فالعلاقة في هذا بينهم وبين الله قبل أن تكون بينهم وبين الناس.. ومن هنا فلا نصيب لهم في الآخرة عنده، أن كانوا يبغون بالغدر والنكث بالعهد ثمنًا قليلا هو هذه المصالح الدنيوية الزهيدة! ولا رعاية لهم من الله في الآخرة جزاء استهانتهم بعهده- وهو عهدهم مع الناس- في الدنيا.
ونجد هنا أن القرآن قد سلك طريقة التصوير في التعبير. وهو يعبر عن إهمال الله لهم وعدم رعايتهم، بأنه لا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولا يطهرهم.. وهي أعراض الإهمال التي يعرفها الناس.. ومن ثم يتخذها القرآن وسيلة لتصوير الموقف صورة حية تؤثر في الوجدان البشري أعمق مما يؤثر التعبير التجريدي. على طريقة القرآن في ظلاله وإيحاءاته الجميلة.
ثم يمضي في عرض نماذج من أهل الكتاب؛ فيعرض نموذج المضللين، الذي يتخذون من كتاب الله مادة للتضليل، يلوون ألسنتهم به عن مواضعه، ويؤولون نصوصه لتوافق أهواء معينة، ويشترون بهذا كله ثمنًا قليلًا.. عرضًا من عرض هذه الحياة الدنيا: ومن بين ما يلوون السنتهم به ويحرفونه ويؤولونه ما يختص بمعتقداتهم التي ابتدعوها عن المسيح عيسى بن مريم، مما اقتضته أهواء الكنيسة وأهواء الحكام سواء: {وإن منهم لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادًا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}.
وآفة رجال الدين حين يفسدون، أن يصبحوا أداة طيعة لتزييف الحقائق باسم أنهم رجال الدين. وهذه الحال التي يذكرها القرآن عن هذا الفريق من أهل الكتاب، نعرفها نحن جيدًا في زماننا هذا. فهم كانوا يؤولون نصوص كتابهم، ويلوونها ليا ليصلوا منها إلى مقررات معينة، يزعمون أنها مدلول هذه النصوص، وأنها تمثل ما أراده الله منها. بينما هذه المقررات تصادم حقيقة دين الله في أساسها. معتمدين على أن كثرة السامعين لا تستطيع التفرقة بين حقيقة الدين ومدلولات هذه النصوص الحقيقية، وبين تلك المقررات المفتعلة المكذوبة التي يُلجئون إليها النصوص إلجاء.
ونحن اليوم نعرف هذا النموذج جيدًا في بعض الرجال الذين ينسبون إلى الدين ظلمًا! الذين يحترفون الدين ويسخرونه في تلبية الأهواء كلها؛ ويحملون النصوص ويجرون بها وراء هذه الأهواء حيثما لاح لهم أن هناك مصلحة تتحقق، وأن هناك عرضًا من أعراض هذه الحياة الدنيا يحصل! يحملون هذه النصوص ويلهثون بها وراء تلك الأهواء، ويلوون أعناق هذه النصوص ليا لتوافق هذه الأهواء السائدة؛ ويحرفون الكلم عن مواضعه ليوافقوا بينه وبين اتجاهات تصادم هذا الدين وحقائقه الأساسية. ويبذلون جهدًا لاهثًا في التمحل وتصيد أدنى ملابسة لفظية ليوافقوا بين مدلول آية قرآنية وهوى من الأهواء السائدة التي يهمهم تمليقها..
{ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}.. كما يحكي القرآن عن هذا الفريق من أهل الكتاب سواء. فهي آفة لا يختص بها أهل الكتاب وحدهم. إنما تبتلى بها كل أمة يرخص دين الله فيها على من ينتسبون إليه حتى ما يساوي إرضاء هوى من الأهواء التي يعود تمليقها بعرض من أعراض هذه الأرض! وتفسد الذمة حتى ما يتحرج القلب من الكذب على الله، تحريف كلماته عن مواضعها لتمليق عبيد الله، ومجاراة أهوائهم المنحرفة التي تصادم دين الله.. وكأنما كان الله سبحانه يحذر الجماعة المسلمة من هذا المزلق الوبيء، الذي انتهى بنزع أمانة القيادة من بني إسرائيل.
هذا النموذج من بني إسرائيل- فيما يبدو من مجموع هذه الآيات- كانوا يتلمسون في كتاب الله الجمل ذات التعبير المجازي؛ فيلوون السنتهم بها- أي في تأويلها واستخراج مدلولات منها هي لا تدل عليها بغير ليها وتحريفها- ليوهموا الدهماء أن هذه المدلولات المبتدعة هي من كتاب الله؛ ويقولون بالفعل: هذا ما قاله الله، وهو ما لم يقله سبحانه وكانوا يهدفون من هذا إلى إثبات الوهية عيسى عليه السلام ومعه روح القدس.
وذلك فيما كانوا يزعمون من الأقانيم: الأب والابن والروح القدس. باعتبارها كائنًا واحدًا هو الله- تعالى الله عما يصفون- ويروون عن عيسى عليه السلام كلمات تؤيد هذا الذي يدعونه، فرد الله عليهم هذا التحريف وهذا التأويل، بأنه ليس من شأن نبي يخصه الله بالنبوة ويصطفيه لهذا الأمر العظيم أن يأمر الناس أن يتخذوه إلهًا هو والملائكة. فهذا مستحيل: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادًا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}.
إن النبي يوقن أنه عبد، وأن الله وحده هو الرب، الذي يتجه إليه العباد بعبوديتهم وبعبادتهم. فما يمكن أن يدعي لنفسه صفة الألوهية التي تقتضي من الناس العبودية. فلن يقول نبي للناس: {كونوا عبادًا لي من دون الله}.. ولكن قوله لهم: {كونوا ربانيين}.. منتسبين إلى الرب، عبادًا له وعبيدًا، توجهوا إليه وحده بالعبادة، وخذوا عنه وحده منهج حياتكم، حتى تخلصوا له وحده فتكونوا {ربانيين}.. كونوا {ربانيين}.. بحكم علمكم للكتاب وتدارسكم له. فهذا مقتضى العلم بالكتاب ودراسته.
والنبي لا يأمر الناس أبدًا أن يتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا، فالنبي لا يأمر الناس بالكفر بعد أن يسلموا لله ويستسلموا لألوهيته، وقد جاء ليهديهم إلى الله لا ليضلهم، وليقودهم إلى الإسلام لا ليكفرهم!
ومن ثم تتجلى استحالة هذا الذي ينسبه ذلك الفريق إلى عيسى عليه السلام كما يتجلى الكذب على الله في ادعائهم أن هذا من عند الله.. وتسقط في الوقت ذاته قيمة كل ما يقوله هذا الفريق وما يعيده لإلقاء الريب والشكوك في الصف المسلم. وقد عراهم القرآن هذه التعرية على مرأى ومسمع من الجماعة المسلمة!
ومثل هذا الفريق من أهل الكتاب فريق ممن يدعون الإسلام، ويدعون العلم بالدين كما أسلفنا. وهم أولى بأن يوجه إليهم هذا القرآن اليوم. وهم يلوون النصوص القرآنية ليا، لإقامة أرباب من دون الله في شتى الصور. وهم يتصيدون من النصوص ما يلوونه لتمويه هذه المفتريات.
{ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}!
بعد ذلك يصور حقيقة الترابط بين موكب الرسل والرسالات، على عهد من الله وميثاق، ينبني عليه فسوق من يتولى عن اتباع آخر الرسالات، وشذوذه عن عهد الله وناموس الكون كله على الإطلاق: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون}.